المجموع : 11
إذا البَدرُ زار الأفقَ وهُو بَهيجُ
إذا البَدرُ زار الأفقَ وهُو بَهيجُ / إِلى الشّعرِ أصبُو والشجُونُ تُهِيجُ
وقد أَهجرُ الشِعرَ اللّطيفَ مَلالةً / وعلماً بأنّ الصّنفَ ليسَ يَرُوج
ولكنّما الشوقُ القديمُ يهزُّني / فألقي القَوافي في البُحورِ تَموج
فما الشعرُ في صَدرى سِوى السّيلِ جارفاً / أو النارِ تذكو والشّعورُ أجيج
فقل للذي يَلقى المحاسنَ هادئاً / لحى اللهُ علجاً ما رأتهُ عُلوجُ
على اللّيلةِ القمراءِ طالَ تَسهُّدي / وحلَّ سُكوتٌ حيثُ كان ضَجيج
فبتُّ وقد هاجَت غَرامي سَكِينةٌ / ونشّطني تحتَ الغُصونِ أَريج
أرى البدرَ لي من جانِبِ السّهلِ طالعاً / وكم أطلَعتهُ لي ذُرىً وثلوج
كما أشرَقت من قَصرِها ذات عفّةٍ / على رَوضةٍ فيها الربيعُ نَسيج
فخلتُ فؤادي طائراً من صَبابَتي / ولَيسَ لما بينَ الضّلوعِ خروج
أَحَبَّ التي أحبَبتُها ولأجلِها / أطلَّ فضاءَت من سناهُ مروج
فأوشكَ أن يَهوي إلى الأرضِ قائلاً / إِلى الحبِّ في أعلى السّماءِ أحوج
أرى البحرَ قدَّامي يقذِّفُ أمواجا
أرى البحرَ قدَّامي يقذِّفُ أمواجا / وخَلفي أرى عقداً من النورِ وهّاجا
فما البحرُ إلا النفسُ تطربُ للعُلى / وما النورُ إِلا الفكرُ يطلبُ إفراجا
أحنُّ الى الحمراءَ صبّاً مؤرقّاً / فأخرجُ من قلبي القصائدَ إخراجا
كما حنّ مقصوصُ الجنّاحِ وقد رأى / طيوراً إِلى الأوكارِ ترجعُ أفواجا
ويُوحِشُني طَيفُ القنوطِ إذا سَرى / فيؤنسني طيفُ الجمالِ إذا ناجى
تعشَّقتُ ماءَ الرَّوضةِ المُترَجرِجا
تعشَّقتُ ماءَ الرَّوضةِ المُترَجرِجا / وكم شاقني نوحُ الغصونِ وكم شجا
لقد كادَ يَفنى القلبُ إلا بقيةٌ / تجمَّعَ فيها الحبُّ والمجدُ والرّجا
فما هي إلا كوكبٌ لاحَ ساطعاً / بهِ يأنَسُ السَّاري الذي ضَلَّ في الدُّجى
تُنيرُ ظلامَ الجَهلِ حولي ويهتدي / بها كلُّ أصحابِ الفضيلةِ والحجى
صبراً على حورِ العَينين والدّعجِ
صبراً على حورِ العَينين والدّعجِ / لا بدَّ من فرجٍ يأتيكَ من فلج
هذي المليكةُ فاحذَر سيفَ نقمتِها / فأنتَ من حُبِّها في موقفٍ حَرج
دَعِ الشَّكاوى ولا تلجأ الى حججٍ / فللمليكةِ إعراضٌ عن الحجج
في مطلقِ الحكم لا دَعوى ولا جدلٌ / ولا دِفاعٌ فقل يا أزمَة انفَرجي
واطلب مراحِمَها تأمَن مظالمَها / وما عَليكَ إذا استَسلمتَ من حرج
صدقتَ فاسمع حَديثي عن مخدَّرةٍ / عَشِقتُها حينَ لاحت لي على الدَّرَج
بيضاءُ طلعتُها بيضاءُ حلَّتها / بيضاءُ كلَّتُها في منزلٍ بَهِج
كأنها البَدرُ فوقَ التلِّ مُرتفعاً / يَجلو الغمامَ وتَجلو الغمَّ عن مُهَج
وبين أنمُلِها غصنٌ حكى فنَناً / مِنَ الحمامةِ للتَّبشيرِ بالفَرَج
لما رَنوتُ إليها وابتسَمتُ لها / قالت أتسرُقُ من حُسني ومن أرجي
فقلتُ شيَّعتُ قلبي حينَ فارَقني / بمُقلتيَّ وما في العذرِ من عَوَج
قالت بدَمعِكَ طهِّر مُقلتيكَ ولا / تنظُر إليَّ فما الغدرانُ كاللّجج
أفدي التي حكتِ الصَّباحَ تبَلُّجا
أفدي التي حكتِ الصَّباحَ تبَلُّجا / والطيرَ صَوتاً والمياهَ تموُّجا
أخرَجتِ من شفتيَّ رُوحي عِندَما / قبَّلتُ ثغراً فيهِ يبسمُ لي الرجا
وعلى ذُؤابتِها نثرتُ مدامِعي / حيناً كتنثير النجوم على الدجى
ورأيتُ قلبي مثلَ مهرٍ جامحٍ / قطعَ الشكالَ محاولاً أن يخرُجا
وملأتُ عيني من محاسنِ وجهها / وقوامِها حيثُ العبيرُ تأرّجا
وتساقَطَت قُبَلي عَليها مِثلما / وَقَعَ النَّدى فوقَ الثِّمارِ فأنضَجا
هَبطَ اللَّيلُ ولمَّا أن دجا
هَبطَ اللَّيلُ ولمَّا أن دجا / أقبَلت توقِدُ فيهِ سُرُجا
كاعبٌ تدرجُ في رَوضتِها / مثلَ عصفورٍ عليها دَرَجا
لم يَكُن ما بيننا وَعدٌ ولا / رُسُلٌ لكن عرفتُ الأرَجا
فعلى نفحَتِها جئتُ إلى / مدخَلٍ أكرَهُ منهُ المخرجا
فتلقَّتني بثغر عنده / فرجي إن شمتُ منه المخرجا
وبعينين تراءَى فيهما / كلُّ ما سَرَّ فؤادي وشجا
وبكفٍّ رنَّ في معصمِها / دملجٌ كان لقلبي دُملُجا
ثم قالت كيفَ تُمسي بعدنا / إن تقحَّمتَ هناكَ اللُّجَجا
هل لنا أو لكَ يومٌ جَلِدٌ / عِندَ توديعٍ يُذيبُ المُهَجا
النَّوى ليلٌ بهيمٌ فابق لي / تحتَ هذا الروضِ صُبحاً أبلجا
قلتُ والدمعُ على وَجنتِها / كالنَّدى في ثمرٍ قد نضَجا
وعلى قلبي سرَت أنفاسُها / كهبوبِ الريحِ ناراً أجَّجا
كلَّما مرَّ عليهِ نفَسٌ / أبصرَت في مُقلتيَّ الوَهَجا
قسماً باللهِ والحبِّ الذي / منهُ جسمي قد غدا مُختَلِجا
وبروضٍ نوَّرَت أزهارُهُ / مثلَ قلبينا على نورِ الرَّجا
ونجومٍ فوقنا مُشرقةٍ / لتُرينا بعدَ ضيقٍ فرَجا
إنَّني أهواكِ ما عشتُ وما / مَنظرُ الزَّرقاءِ همِّي فرَّجا
وأنا باقٍ على عهدِ الهوى / فإليهِ القَلبُ في الكربِ التَجا
ليسَ هذا اللَّيلُ إلا شَفَقاً / من مُحيّاكِ الذي يجلو الدُّجى
إنَّما لي وطرٌ في وطني / ليسَ يُقضى فرَحيلي عن حِجى
ضاقَ عن صَدري وصدري ضيِّقٌ / عن فؤادٍ في هواهُ أهوجا
هكذا لا بدَّ أن يحملني / موجُ بحرٍ هاجَ حتى هَيَّجا
في الشَّامِ أشتاقُ عيشاً طيباً بهجا
في الشَّامِ أشتاقُ عيشاً طيباً بهجا / فالقلبُ فيهِ مع الأثمارِ قد نضَجا
جنيتُ من زَهرهِ والنفسُ مزهرةٌ / فلم أزل من يدي أستنشِقُ الأرجا
ذكرُ الصِّبا والصَّبا في الليلِ أرّقني / فبتُّ أُوقِدُ في ظلمائهِ سُرُجا
وا حسرتاهُ على النائي الغريبِ وقد / أمسى حزيناً بما لاقاهُ مُبتَهِجا
حتّامَ تعشقُ عاجاً تحتَ ديباجِ
حتّامَ تعشقُ عاجاً تحتَ ديباجِ / بعد التلمُّسِ للدّيباجِ والعاجِ
إياكَ والغبنُ فالألوانُ كاذبةٌ / هذي تجارةُ نحّاتٍ ونسّاج
من الطواويسِ حسنُ الريشِ أعجبنا / وأزعجَ الصوتُ منها أي إزعاج
فللظواهرِ حسنٌ كاذبٌ سَمِجٌ / وللبواطن حسنٌ صادقٌ شاج
والحسنُ أضحى متاعاً يُشترى فلكم / أرى الحرائرَ أزواجاً لأعلاج
كم غادةٍ برزت في السوقِ فاتنةً / حتى إذا عريت من وَشي ديباج
أنفتُ منها وقد زالت ملاحتُها / مع ثوبها وغدت قطناً لحلاج
فبتُّ أرجو خلاصاً والشرابُ غدا / منها سراباً وقلبي ضيِّقٌ داج
وبعدَ حلمي بجنّاتٍ مزخرفةٍ / حاولتُ في سِجنِها تعجيلَ إفراج
قد زالَ ما كان من نهدِ ومن كَفَلٍ / فما ظفرتُ بخفَّاقٍ ورَجراج
إن المحاسنَ حاجاتٌ مموَّهةٌ / إن زال زخرفُها لم تقضِ من حاج
دَعِ الخلاعةَ لا تركب سفينتَها / إن الزوابعَ شّتى فوقَ أمواج
وفي الزواجِ أمورٌ لو فَطِنتَ لها / ما قلت سعداً لأولادٍ وأزواج
تحتَ السكونِ هياجٌ فيه عاصفةٌ / فلا تَغُرَّنكَ خُودٌ طرفُها ساج
لكنَّ في الكونِ أسراراً تُسيِّرُنا / وقد خُلِقنا لتأويبٍ وإدلاج
قد يغلبُ القَدَرُ المحتومُ مقدرةً / فيسقطُ الرأسُ بين العرشِ والتاج
وقد يكونُ الغِنى من صدفةٍ عرضت / والفقرُ ما بين إِلجامٍ وإسراج
للفأل كالشؤمِ إضرارٌ بصاحبهِ / فاملُك هواكَ لإفساحٍ وإحراج
وامشِ الهويناء لا يأسٌ ولا طمعٌ / وكُن حكيماً فلا مُطْرٍ ولا هاج
فؤادُكَ درٌّ والقلوبُ زجاجُ
فؤادُكَ درٌّ والقلوبُ زجاجُ / وليسَ لهذا عندَ تِلكَ رَواجُ
فلا تمزجنَّ الخلَّ بالخمرِ راغباً / بإصلاحهِ إنَّ الفسادَ مزاج
فعندَ علاجِ الناسِ تقضي بدائهم / فذلكَ داءٌ ما شفاهُ عِلاج
فحتَّامَ تَشقى بالسعادةِ طامعاً / ونفسُك في ليلِ الجحودِ سِراج
تعزّ فيوماً ما سيتضبُ زَيتُها / ويسكنُ فكرٌ في الثَّرى وهياج
أترشقُني وبيتُكَ مِن زجاجِ
أترشقُني وبيتُكَ مِن زجاجِ / وبيتُ المجدِ من دُرٍّ وعاجِ
وقومي دوَّخوا روماً وفرساً / وتركاً ثم آبوا بالخراج
وأندلسُ الجميلةُ عمَّروها / فأطلعتِ الكواكبَ في الدياجي
وفيها من بني زهرٍ ورشدٍ / وعبَّادٍ وصيدِ بني سراج
دَع للجهادِ قواعدَ الزجَّاجِ
دَع للجهادِ قواعدَ الزجَّاجِ / ودفاترَ الورَّاقِ والسرّاجِ
علماؤنا كثروا وقلَّ كُماتُنا / فاليومَ حاجتُنا إلى الحجَّاج
وإلى ابنِ ذي يزنٍ يطهِّرُ ملكَهُ / من وَطأةِ الأحباشِ والأعلاج
وإلى صلاحِ الدينِ تشهدُ بَطشَهُ / حطّينُ للتحريرِ والإفراج
تلكَ البوارجُ أقبلت وتبرَّجت / في بحرنا أرسى من الأبراج
بُلدانُنا وثغورُنا أهدافُها / إن لم نقابلها على الأمواج
أربى على كلِّ السفينِ سفينُنا / واليومَ أصبَحنا بلا مِزلاج