ماذا نقرأ ؟ ومتى نقرأ؟
الحمد لله الذي علَّم الإنسان بالقلم مالم يَخُطَّه من قبل، وأنطَقه بما لم ينطق به قط، وفضَّله على سائر الخليقة بالفهم والدراية والإدراك والصلاة والسلام على معلم البشرية ومربي الإنسانية جمعاء فنعم المربي ونعم المعلم, أما بعد.
لايختلف اثنان ممن له عقلٌ سليمٌ وفهم رصين وإلمامٌ قويٌّ في باب القراءة والإنشاء والتحرير العربي في أنَّ القراءة والكتابة من الأهمية بمكان، إلا أنَّ الإنسان يهابهما دائما خشيةَ عدم الفهم عند القراءة العربية وعدم القدرة على الكتابة عند الاشتغال بها إلا من رحم ربي، فهذه الفكرة تُخلِّفه دائمًا، وهو كلما أراد أن يقرأ أو يكتب تراجَع عن قصده مباشرةً، وترك الكتاب بحيث لايأخذه ثانيًا إما لملل وتعب واشتغال وإما لعدم فهمه وصعوبته أو عدم تنظيم مواعيده، فأنا أحببتُ من باب النصح أن أقدِّم حلاًّ قويمًا لهذه العوائق والعراقيل أمام القراء الفضلاء.
لقد توصَّل المفكرون والعاقلون بعد بحث حثيث إلى أنَّ الكتب على ثلاثة أنواع:
1- النوع الأول:
الكتب الدقيقة والعميقة للعلوم الدينيَّة والفنون المستصعبة كالمتون المختلفة في معظم العلوم الإسلامية من المعقولة وغيرها من النحو والصرف والفلسفة والمنطق والحساب ونحو ذلك من الكتب، وهي أصعب الكتب في هذه الأنواع الثلاثة.
2 - النوع الثاني:
الكتب السهلة العامة التي يفهمها القارئ بمجرد القراءة من غير عناء وصعوبة؛ فإنها لاتحتاج في فهمها إلى بذل الجهد وكدح الدماغ، فهي أسهل بالنسبة إلى النوع الأول وأصعب بالنسبة إلى النوع الثالث، مثل كتب التاريخ والسيرة، وكتب الرقاق والمواعظ والآداب وتراجم السلف والثقافات المختلفة ونحوها.
3 - النوع الثالث:
الكتب التي تحتوي على الموضوعات المشوِّقة الخلابة الجذابة المرغوبة لدى القارئين، وهي نوع متميز وفريد بأنَّه يدفع القارئ بحماسته دائما إلى تكثير القراءة والخوض فيه حتى أنَّ بعض الكتب من هذا النوع جعلت قارئَها منصرفًا عليها ومنقطعًا لها عن غيرها بحيث لاتتركه تلك الكتب ليشتغل بعمل آخر غيره، وهذه الكتب أسهلها فهمًا مثل كتب المسلسلات، والقصص الغريبة المضحكة وكذلكم كتب الطرائف والنكت والألغاز والأحاجي.
وبناءً على ذلك قد قسَّم العقلاء كافة الأوقات إلى ثلاثة أقسام:
1 - النوع الأول:
وهو أوقات الخلوة والوحدة التي يكون فيها الإنسان فارغا من المشاغل والمشاكل وخاليا من المهام، ويتمتع فيها الإنسان بنشاط الطبع واستجماع التفكير وارتياح البال واستكمال سبل الراحة قاطبة.
2 - النوع الثاني:
هذا النوع مقارب إلى النوع الأول والثالث وهو أنَّه عبارة عن أوقات يكون الإنسان فيها فارغا من جهة ومشغول من جهة أخرى، كما إذا سافر إلى موطن بالقطار أو الحافلة أو الطائرة، فهو مشغول بالسفر لكنه خلال سفره يكون فارغًا ليس له شغل شاغل سوى الانتظار لوصول مقره الذي يهمُّه.
3 - النوع الثالث:
وهي أوقات تعب ونصب وانزعاج بأن قام رجلٌ بعمل بدنيٍّ أو كدحٍ ذهنيٍّ طوالَ اليوم ثم انصرف إلى البيت أو أنَّه يكون قد رجع من سفر طويل.
لاشك أنَّ هذه أنواع مختلفة للكتب والأوقات، فمن يعشَق القراءة والمطالعة عليه أن يصرف أوقاتَه كلها في مختلف أنواع القراءات حَسْبَ ما ذكرنا آنفا بالتفصيل، وعلى القارئ أن يختار طريقة توزيع الأوقات على الكتب حسب نشاط طبعه وسآمته، ونُقدِّم لذلك تحليلا بشكل النقاط الثلاث لكل من الأنواع الثلاثة كالآتي:
أوَّلا:
خليق بمن أراد القراءة أن يقرأ الكتب العميقة والفنون الدقيقة (وهي النوع الأول من الكتب) في النوع الأول من الأوقات؛ إذ أنَّها أوقات الفراغ وخلو البال من جميع الأشغال، وقد يفتح الله على العبد عند استجماع الفكرة أسراراً خفيَّة لا يَعلَمها من قبل عادةً.
ثانيا:
يَحسُن أن يطالع الكتب العامة السهلة الفهم (وهي الوع الثاني من الكتب المذكورة) في القسم الثاني من الأوقات التي هي أوقات شغل من ناحية وفراغ من ناحية أخرى كما سبق ذكرُه.
ثالثا:
وأما الكتب التي تتحدَّث عن الموضوعات المشوِّقة والقصص الجذَّابة لعواطف القراء، فهي الأجدر بالمطالعة في القسم الثالث من الأوقات؛ فإنَّها تزيل التعب والكسل والشرود الذهني فمهما استزاد قراءتها أدَّت إلى تنشيط المزاج والطبع وتشحيذ الأذهان وعندها يستقر الطبع السليم وتعود المياه إلى مجاريها.