إرشادات مهمة عليك قراءتها قبل دخول قاعة الاختبار

هل يستطيع أحد الإخوة أن يتذكر جميع أسماء أقربائه وزملائه في دفعة واحدة رغم معرفتها؟ لا، أعني لا يستطيع، لكن لو مر أحد أقربائه وزملائه أمامه أو وصف له ذكر اسمه. فغيابها عن ذهنه ليس معناه أنها فقدت من ذاكرته...

     كتاب "علي الطنطاوي مع الناس" أمامي، وأنا في محاولة قراءة صفحتين أم ثلاث كواجب يومي، فبصرت به وأجفاني ثقيلة على عيني، لكنني لم استسلم، فأكملت قراءة أربع صفحات من صفحاته بين النوم واليقظ، فوجب علي تكرار قراءته لأعي ما كتب فيها.

     رأيت عنوان مقالة " إلى الطلاب" وأنا أيضا طالب علم، جذبني لقراءتها، فلما بدأت بالقراءة أدركت أن علي الطنطاوي رحمه الله قد وجه بعض التوجيهات لطلاب العلم خلال الاستعداد للامتحانات، فأحببت تلخيص ما قال علي الطنطاوي رحمه الله في كتابه لأستفيد من توجيهاته أولا، ثم تعم الفائدة ثانيا.

     نلاحظ عادة أن معظم الطلاب في أيام الاختبارات يسهرون الليالي استعداد للاختبار، كي لا يسقطوا في مادة من المواد الدراسية.

     يقول علي الطنطاوي رحمه الله "كنت أنام أيام الامتحان أكثر مما أنام في غيرها" فعجبت، لكنه أردف قائلا: " أفرأيت رياضيا، ملاكما أو مصارعا يهد جسمه ليالي المباراة بالسهر، أم تراه ينام ويأكل ويستريح ليدخل المباراة قويا ونشيطا" .

التوجيه الأول من توجيهاته هو أنه ينبغي للطلاب إكمال نومهم قبل ليلة الامتحان، حتى يكونوا نشطاء خلال الاختبار.

- التوجيه الثاني هو أنه يجب على طالب علم معرفة نفسه حيث أنه من أي نوع من أنواع الطلاب، لأن البعض لما يسمعون الدرس من الأستاذ فينسونه، فإذا قرأوه بأنفسهم استقر فيهم، وبالعكس البعض لما يسمعون الدرس يحفظونه فإذا قرأوه بأنفسهم ينسون ما حفظوه.

     فإن كان طالب علم من النوع الأول من الطلاب فعليه أن يقرأ الدروس بنفسه حتى يستقر في ذاكرته، وإن كان من النوع الثاني من الطلاب، فعليه أن ينتخب رفيقا مثله، ويجعله يقرأه عليه حتى استقرت الدروس في دماغه.

التوجيه الثالث: يقول علي الطنطاوي –رحمه الله- في التوجيه الثالث إنه يجب على طالب علم أن يجعل لدراسته ولمراجعته برنامجا يراعي فيه تنويع الدروس، فإذا تعب من مادة من المواد الدراسية اشتغل بعده بمادة أخرى، فذلك يكون كالراحة له من تعبه الأول.

     وخلال هذه النصيحة قد ذكر الطنطاوي –رحمه الله- طريقة القراءة، قائلا: أحسن طريقة وأفضلها للقراءة هو أن يمر طالب علم أولا مرا سريعا على الكتاب كله، ثم يفهم فصلا فصلا منه، على أن يكون القلم في يده إن كان يقرأ بنفسه، فالجملة المهمة يخط تحتها خطا بالأحمر، والشرح الذي لا ضرورة له يضرب عليه بخط خفيف، والفقرة الجامعة يشير إليها بسهم.

     ثم يأتي دور المراجعة، فيأخذ الكتاب معه ويمشي في طريق خال وفارغ، ويستعرض في ذهنه مسائل الكتاب مسألة مسألة، مفترضا ومتصورا أنه في الامتحان، وأن هذا السؤال قد وجُّه إليه، فإذا وجد أنه حاضر في ذهنه تركه، وإلا فتح الكتاب فنظر فيه نظرة يقرأ فيها الفقرات والجمل التي قد أشار إليها فقط، فيذكر ما نسيه، وإن وجد أنه لا يذكر من المسألة شيئا أعاد قراءة الفصل كله.

التوجيه الرابع: هنا ذكر أنه ينبغي لطالب علم إبعاد الخوف عنه، لأن الخوف من الامتحان لا يكون من الغباء ولا التقصير ولا الجبن، ولكن الخوف من شيء واحد وهو مشؤه وسببه، ذلك أن بعض الطلاب ينظرون إلى حجم الكتاب والوقت القصير الباقي، ويريدون حفظه كله  في ساعة واحدة، فلا يتمكنون من حفظه، فيدخل عليهم الخوف من أن يجئ الامتحان وهم لم يكملوا حفظه.

     فينبغي للطالب وضع خطة مدروسة لتوزيع الأبواب والفصول مع الوقت، ثم يبدأ دون أن ينظر إلى الكتاب وإلى الوقت، وبإذنه تعالى سوف يكمل استعداده للامتحان.

التوجيه الخامس: من عادة بعض الطلاب أنهم يقفون أمام غرفة الامتحان يعرضون في أذهانهم مسائل الكتاب كلها، فإذا لم يذكرها اعتقدوا أنهم غير حافظين دروسهم، فنتيجة اضطربوا وجزعوا، مع أنه يستحيل أن يذكروا المسائل كلها دفعة واحدة وإن كان يعرفها.

     هل يستطيع أحد الإخوة أن يتذكر جميع أسماء أقربائه وزملائه في دفعة واحدة رغم معرفتها؟ لا، أعني لا يستطيع، لكن لو مر أحد أقربائه وزملائه أمامه أو وصف له ذكر اسمه. فغيابها عن ذهنه ليس معناه أنها فقدت من ذاكرته. فنفس الكلام ينطبق على طالب واقف أمام الغرفة، فهو أيضا لا يستطيع أن يذكر جميع الأشياء في دفعة واحدة لكن لو مر أمامه شيء من المدروس فيذكره مباشرة.

التوجيه السادس: ينبغي للطالب أن ينصرف أو يستريح بعد قراءة درسه بعيدا عنه كي يستقر ما قرأ من الدرس في دماغه، وذلك لأن البعض من الطلاب حين ما يفرغون من الدروس يعودون إليها مرة أخرى معتقدين أن ذلك خير لهم، مع أن ذلك كمن يأخذ صورة  بـ "الفوتوغراف" ثم يأخذها مرة أخرى من غير أن يبدل اللوحة فتطمس الصورتان. فهذا ما يحدث بالضبط مع الطلاب الذين يستمرون في المراجعة دون التوقف والاستراحة.

التوجيه السابع: على الطالب أن يستريح ليلة الامتحان، ويدع القراءة و يأخذ قصة خفيفة، أو ينشغل بأمر يصرفه عن التفكير في الامتحان، وأن ينام تلك اللية تسع ساعات، إذا استطاع، ولا يخش أن تذهب المعلومات من رأسه، فإن الذاكرة أمرها عجيب، ولا سيما لمن كان في أوائل الشباب، إن ما يُنْقَش فيها في الصبا والطفولة لا يُنسى.

التوجيه الثامن: اعلم أن  الامتحان ميزان يصح غالبا وقد يخطئ حينا، والمصحح بشر، فيكون مستريحا يقرأ بإمعان، وقد يتعب فلا يدقّق النظر، ثم إنه يصيب ويخطئ، ولقد يختلف حكمه على الورقة وعلى أخرى مثلها باختلاف حالي رحته وتعبه ورضاه وسخطه.

     فإذا أعطي ورقة وهو غضبان فيقلل من العلامات والدرجات، لكنه نفسه لكون مرتاحا وراضيا فيضع الدرجات عالية علي نفس الورقة، بمعنى أن المصحح قد يكون متشددا وقد يكون مهونا، فإن كان متشدد فهو يسقط الطالب في ورقته، وإن كان مهونا ولينا فيمشيه في هذه الورقة.

     في هذا الحال ماذا على طالب علم ؟

لقد ذكر علي الطنطاوي –رحمه الله – حل هذه المعضلة.

أولا: يجب على طالب علم الكتابة بخط واضح وجيد، لأن سوء الخط وخفاءه قد يكون سببا في غضب المصحح، فيسيئ حكمه علي الورقة، فيسقطها.

ثانيا: أن يكثر من العناوين، وأن يقَطِّعَ الْفَقَرَات ويُمَيِّزَها، وأن يجتنب الفضول، لأن الطالب في بعض الأحيان يذكر أمرا لم يُطلب منه، ويريد به الكشف عن علمه، فيقع بخطيئة تكشف جهله فتكون سبب سقوطه.

ثالثا: على الطالب أن يسعى ويعمل، ولكن ليس النجاح منوطا دائما بالسعي والعمل، لا أقول أنه يترك السعي، لأنه هو المطلوب، بل عليه أن يقرأ الكتاب كله مع حاشتيه التي لا يهتم بها غيره، فربما يكون السؤال في الامتحان منها، لكني أقول: بعد السعي يتوجه الله سبحانه وتعالى متضرعا يطلب منه النجاح في جميع الاختبارات والامتحانات قائلا: يا رب، أنا عملت ما أستطيعه، وهناك أشياء لا أستطيعها أنت وحدك تقدر عليها، فاكتب لي بقدرتك النجاح، ولا تجعل ورقتي تقع في يد مصحح مشدد لا يتساهل، أو مهمل لا يدقق، أو ساخط أو تعبان لا يحكم بالحق.

     فلينظر قبل ذلك، فإن كان على معصية في سلوكه، وفي عمله فليتب منها، هنا علي الطنطاوي يقول: "ليست هذه الوصفة من عندي، ولكنها وصفة وكيع شيخ الشافعي:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي                   فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال بأن هذا العلم نور                           ونور الله لا يُهدى لعاصي.[1]

 

[1]- إن هذه المقالة قد نقلت من كتاب علي الطنطاوي مع الناس، علما إلى أنني تصرف أيضا في كثير من الأماكن من عباراته.

أ.د.خليل أحمد


مجموع المواد : 506
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024