بنت صارت جابية

فتذكرت أنني ركبت حافلة قبل سنة، فالتقيت شابا كان جابيا لم يتجاوز عمره عن خمس عشرة سنة، فقصته تساوي تقريبا قصة الفتاة فيما أرى.

     رأيت اليوم شيئا جديدا، ماكنت أظن أن مثله يكون في بلدنا، رأيت في باب الحافلة جابية بزي خاص، وكانت فتاة لم تتجاوز عن سن الخامسة عشرة من عمرها، تفحص كل تذكرة من ركابها.

     فلما ركب الركاب جميعا في الحافلة، وانطلقت، فإذا هي بدأت تتجول في داخل الحافلة حاملة قارورة الماء، تشرب الركاب مع ابتسامة عريضة، فوقت لحظة أرقب الركاب من بعيد، فرأيت أنهم كانوا ينظرونها بنظرات الحقارة، ويأمرونها كأنها لم تكن بنتا مثل بناتهم.

     بل يعتبرونها متسولة، فتألمت مفكرا، إنني أكتب عن كل شيء، وأعالج كل موضوع، فلما لا أكتب عن هؤلاء الركاب المزعجين، فمسكت قلما لمعالجة هذا الموضوع.

     فتذكرت أنني ركبت حافلة قبل سنة، فالتقيت شابا كان جابيا لم يتجاوز عمره عن خمس عشرة سنة، فقصته تساوي تقريبا قصة الفتاة فيما أرى.

      فلما جلست على مقعد معين في الحافلة رأيت الناس كانوا يعاملونه مثل معاملة الفتاة، فجاءني وأنا جالس على مقعدي، فاستأذنني للجلوس بجنبي، فوافقته على طلبه مبتسما، فلاحظت على وجهه سمات الحزن، فبادرني بالسلام قائلا: هل لي أن أكلمك في شيء، فقلت له: تفضل بالكلام.

     فبدأ بحديثه أنني كنت أدرس في مدرسة ما، ولم كنت أشعر أن الإنسان يعاني مشاكل في حياته، وذلك لأنني لم أدخل تجارب الحياة، ففجأة تغيرت حياتي وانقلبت أموري، عند ما توفي أبي، أنا أكبر إخوتي وأخواتي، فحاولت أنكب على معرقلات حياتي، فدفعتني تلك المشاكل العائلية إلى ما تراني فيه، بأنني أصحبت جابيا رغم أنني لم أرض بهذا العمل.

     فقاطعت كلامه قائلا: لا بأس عملك هذا لا يعيبك، بل يرفع من شأنك. فلاحظت في وجهه ابتسامة كأنه وجد من أيده وسلاه.

     فطرحت سؤالا أخيرا هل تواصل دراستك أم لا؟ فأخبرني أني أواصل الدراسة، وأنفق كل ما أكتسب من عملي هذا على إخوتي وأخواتي وأمي. فتذكرت نعما أنعمنا الله سبحانه وتعالى بها، فشكرته الله سبحانه وتعالى على ما منحني من نعم.

     فلم أتمكن من السؤال إلى تلك الفتاة، لكني أقول: بأنها لو خرجت من بيتها وقامت بعملها هذا فإنه دليل على أنها خرجت كرها، وليست رضا.

     فلذا لا نحتقرها ولا نعاملها معاملة سيئة، لأنها تكون بنتا مثل بناتنا، فكما نحب المعاملة لبناتنا نحبها لها...

أ.د.خليل أحمد


مجموع المواد : 506
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن

اكتب معنا


يمكننا نشر مقالك على شبكة المدارس الإسلامية، دعنا نجرب!

أرسل من هنا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024