أهمية العقائد واستقامة الصراط

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدالمرسلين، وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فعلّم الله عباده دعاء في سورة الفاتحة، ولأن سورة الفاتحة تتلى في كل صلاة فلذا إعادة هذا الدعاء وتكراره دال على كونه عظيما وذا شأن رفيع؛ فحصل أمران، أحدهما: أن الله تعالى علم الدعاء بنفسه، وثانيهما: أنه أكد تكرار قراءة هذا الدعاء في حالة الصلاة التي هي حالة غاية التقرب إلى الله، التي تربط بها العبد مع الله ارتباطا خاصا، يشتغل العبد بالصلاة متنحيا عن الأمور كلها ويكلم الله، ويعترف ويقرّ أمامه بعظمته وكبريائه باللسان أيضا وبالعمل أيضا، كأن التقرب الذي يتشرف به العبد حالة الصلاة لايناله في ساعات أخرى.
هذا الدعاء في حالة الصلاة (اهدنا الصراط المستقيم): ربنا سير على الطريق القويم، (صراط الذين أنعمت عليهم): طريق من أحاطت بهم نعمك، (غيرالمغضوب عليهم ولاالضالين): لاطريق من لحقهم غضبك وضلوا عن السبيل، أنه ليس طريقهم صراطا مستقيما.
(اهدنا) مشتق من الهداية ولها معنيان:
(1): إراءة طريق الهداية وتفهيم طريقها، الدلالة عليه، الإخبارعن رفع الطريق وخفضه. رجل يقول لك: وإنك تريد الذهاب إلى مكان كذا، تذهب من هنا؛ فتلفت يمينا، ثم تجد منطقة فتتلوى شمالا من هناك فتجد بعد ذلك زقاقا إلى جانب اليمين أمامه عمود الكهرباء، فتتلفت من هناك، فهذا أراك الطريق وفهّمك رفع الطريق وخفضه.
(2): التيسير على الطريق: رجل قال لك: تعال أذهب معك وأوصلك إلى منزلك المطلوب. هذه أيضا هداية وتلك أيضا هداية، أري الطريق في الأول وسيّر عليه في الثاني، فمعنى (اهدنا الصراط المستقيم): ربنا سيرعلى الطريق المستقيم.
أما إراءته فقد أراه النبي – صلى الله عليه وسلم -، والسير على الصراط المستقيم والوصول إلى المنزل المطلوب سائرا عليه أمر مهم دنيويا وأخرويا، أما كونه ضروريا من جهة النظر الدنيوي فتعرفون أنكم لن تنالوا الفوز في مقصد تريدون نيله، وسلكتم مسلكا خطأ، أمرتم أن تقوموا بأداء أمر هكذا ولكنكم أديتم بطريق آخردون ما أمرتم به، وبسبه غرقت بضاعتكم المحتوية على مائة ألف مثلا، والآن تبكون، فيقولون لكم كل واحد: مافائدة بكائكم الآن؟ وقدأخبرتم عن الطريق ولكنكم لم تسلكوه فالضرر كان لامحالة.
هذه هي حقيقة الأمر حول الآخرة أيضا بأن الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – يدلون على صراط مستقيم إلى الآخرة، ويهدون إلى طريق صحيح، يعني أن خالق العالم هو الله، فاعتقدوه خالقه ومالكه ومتصرفه ومدبره ولاتشركوا به شيئا، وليس إشراككم به غيره صراطا مستقيما؛ لأنهم لم يخلقوا ذرة، ولم يشيروا على الله ولم يرشدوه، هم مخلوقون كالمخلوقات المعدودة في المئات والألوف، وهم مفتقرون إلى الله كافتقارالمخلوقات الأخرى إليه وليس لهم ميزة وامتياز في هذا الأمر، هم ليسوا إلامن المحتاجين إلى الله، وليسوا إلاممن خلقهم الله ولم يشاركوه في خالقيته، فقد ظلمتم وتعديتم إذا أشركتم به. هذا الصراط ليس بمستقيم والإنسان إذا اختارطريقا فاسدا؛ فيضل ولايزال يضل سالكا طريقا فاسدا، وربما يقوم بأفعال مخزية تحيّرالعقول وتعجب الإنسان بأن يشرك القمر أو الشمس أوالكواكب بالله، ويشرك به أنبياءه، نحو: عيسى وعزير- عليهما الصلاة والسلام – حتى يشرك به الحيوانات والأشجار والنار حتى الإنسان.
رغم أن الحقيقة: أن خالق العالم كله هوالله تعالى فقط، كل شيء مخلوق له، سواء نبيا كان أو وليا، حيوانا كان أوشجرا، لذلك معنى (اهدنا الصراط المستقيم) ربنا، سيرنا على الطريق القويم، الصراط المستقيم أراه الأنبياء وما يتعلق في هذا المجال بالاعتقاد، فالمتقدم التوحيد ومعه اعتقاد أن الله بعث الأنبياء إلى الناس وبلّغوا أحكام الله إليهم. وهذه السلسلة بدأت من آدم – عليه السلام، ثم لم يزل بعث الأنبياء حينا بعدآخر، حتى بلغ عددهم إلى مئات الألوف وفي الأخيربعث محمدا – صلى الله عليه وسلم – نبيا ورسولا، واصبح خاتم الأنبياء والمرسلين.
فإن قال أحد: إنني أومن بمحمد – صلى الله عليه وسلم – ولكن لاأومن بعيسى – عليه السلام أو أومن بهما ولاأومن بيوسف – عليه السلام - ، أو ينكر نبيا ذكراسمه في القرآن، وثبتت نبوته بالجزم، فإنكارهم ضلالة عن السبيل، وهذا اعتقاد بأنه لامرية في نبوة من ذكرالله تبارك وتعالى أسماءهم في القرآن، ولامرية في نبوة من بيّن بأسماءهم القرآن الكريم وصرّح بذلك. وفضلاعن ذلك، بعث أنبياء لانعلم أساميهم فليس من مسؤليتنا أن نعرف بالأسماء من لانعرفهم بها،ولكن لابد من أن نؤمن بمن ذكراسمه في القرآن، وإذا أنكرت أحدا كنوح وآدم وإدريس والأنياء الآخرين – عليهم السلام – الذين ذكروا في القرآن، فإنكارك إياهم ممالايعفى عنه، وإن كنت تحب محمدا – صلى الله عليه وسلم – والأنبياء الآخرين جميعا حبا جما.
الصراط المستقيم هوأن توحدالله وتعتقد بأن الأنبياء الذين بعثهم الله إلى الناس لهدايتهم، بعثهم منتخبين من بين الأنام وأخبرنا بأسماءهم فنؤمن بهم، والآخرون الذين بعثوا ولانعلم أسماءهم نؤمن بهم أيضا، وأي نبي ورسول بعثه الله نؤمن به بكل طمأنينة.
ومن الأمور المهمة المتعلقة بـ,, الصراط المستقيم,,أن نتيقن أن الدنيا تفنى ولاتبقى، لاتبقى هذه السماء، وهذه الأرض لاتبقى مفروشة، وهذه الشمس والقمر والكواكب كلها لاتستقر، هذا الإنسان والعالم يطوى يوما وتبتدئ حياة ثانية، حياة أخروية، فلوقال أحد: إنه يؤمن بالله ورسوله والقرآن، ولكن يرى القيامة مما يدركه العقل، وهذه السلسة التي تجري تستمرهكذا، فليس على صراط مستقيم. اعتقاد وقوع القيامة مما لابد منه وكذا الجنة والنار والبعث بعدالموت، فالإيمان بهما أيضا واجب وكذا لابدمن أن نتيقن أن الأعمال الصالحة سبب دخول الجنة، والأعمال السيئة تدخل النار. ويلبث الكفار في النار خالدين – والمؤمنون يدخلون الجنة ابتداء أو بعد معاقبتهم بأعمالهم، فيمكثون فيها أبدا لاتفنى الجنة ولاالنارأبدا.
ثم لاتغتر بهذه التطورات الجديدة يوما فيوما، حتى أوصلتك بأن الدنيا خالدة باقية أبدا، لا، بل لابد من القيامة والمحشر.
هذه الأمورداخلة في (اهدنا الصراط المستقيم) لأن الزمان زمان سعة العلم وترقّيه وزمان التحقيق والتدقيق وعلم أن سلسلة الدنيا هذه تستمر، كما استمرت إلى الآن، والعالم والإمام يذكر الجنة والنار عبثا بغيرفائدة، المولعون بالتجدد يعلمون أن الله موجود، وأن محمدا – صلى الله عليه وسلم – خاتم النبيين ولكنهم يشكون في أمرالقيامة ويترددون فيه، فهم خارجون عن دائرة الإسلام، وهذه حماقة أن نقول: إنهم قبلوا الإسلام ويزيدون قوة إفرادية في الإسلام ويكثرون أفرادالمعتقدين بالإسلام ولهم منة على الإسلام – لاحول ولاقوة إلابالله – ماذاتمنون على الله والحال أن الله منّ عليكم ، بأن وفّقكم للإيمان والإسلام، فاثبتوا على صراط مستقيم، فإنكم إذا ثبتم عليه انتفعتم، وإذالم تثبتوا عليه وبدأتم تشيرون بالتنقيح والتعديل في أركان الإسلام إظهارا لفراستكم؛ فتخرجون عن دائرة الإسلام ، ومثل أولئك الناس يسمّون بالزندقة، ومن فرائض الحكومة الإسلامية : أن تضرب رقابهم، ثم لايأمرك الإسلام أن تجعل الكافرمسلما جبراوقهرا( لاإكراه في الدين)إن رضي؛ قبل الإسلام، وإلافلا، جبرعليه، ولكن هذه الحرية لاتبقى بعدالإسلام بأن يقول ماسبقه اللسان، ولايراعي قوانين الإسلام، ولايبالي بها ولايهتم بأمحكام الإسلام، فأنه مخيّر بين أن يقبل الإسلام أويرده، لكنه إذا قبله فتنتهي هذه الحرية.
وكذلك لابدّ من إقامة الصلاة، وإذاتركها؛ تضرب رقبته عندالإمام مالك والشافعي – رحمهما الله - ، وعندالإمام أحمدبن حنبل – رحمه الله - : ذهب إلىأنه خرج عن دائرة الإسلام بتركه الصلاة متعمدا أوارتد؛ لذلك يقتل، والفرق بين مسلك الإمام أحمدبن حنبل وبين مذهب الإمام مالك والشافعي – رحمهم الله تعالى -: بأن أحمدبن حنبل – رحمه الله – يقول: ,, من ترك الصلاة متعمدا فقدكفر,, ؛ فلذا هذاكافر مرتد، خارج عن دائرة الإسلام؛ فتضرب رقبته. هما يقولان : كما أن الرجل إذا زنى لم يخرج عن دائرة الإسلام ،إلاأنه يرجم ؛ جزاء ما ارتكب من الزنا، كذلك تارك الصلاة متعمدا لايخرج عن دائرة الإسلام لكن جزاءه : أن يقتل، ولدينا معشرالحنفية: فإنه يسجن فيضرب، حتى يتوب أويموت.
الحمقى الذين لايعلمون أحكام الإسلام يقولون: (لاإكراه في الدين) وهم لايفهمون معنى هذه الآية، معنى( لاإكراه في الدين) أنه لايجبر على أن يكون مسلما، يعني من لايريد أن يسلم؛ فلايجعل مسلما جبرا، والحال أنه من قرأ'' لاإله إلا الله محمدرسول الله'' باللسان، والقلب لايؤمن به فلم يسلم، ولافائدة في أن نجعله مسلما جبرا وقهرا، إذا قرأ أحد هذه الكلمة باللسان فقط ،و القلب ينكرها فلوقرأها ألف مرة، هل آمن؟ لا كلا، ولايؤمن إلاإذا أراد بالقلب أ يضا، فلاجبرعليه، ولكن لاحرية في مواظبة أحكام الإسلام بعدالإسلام، لابد أن يواظب على أحكام الإسلام،والذي لايواظب يحكم عليه حسب ما يقتضيه القانون ويعيّن له العقاب.
والحاصل: أن (اهدنا الصراط المستقيم) ربنا سيرنا على الطريق القويم، وقدوضحت أن الصراط المستقيم من حيث العقائدماهو؟ الأول: الإيمان بالله وحده، هوالخالق، وهوالمالك وهوالمدبر، وهو الذي خلق هذا العالم، وهوالذي يملك القدرة على تدبيرأمورالعالم كلها ويدبر تدبيرا ولايحتاج إلى إعانة أحد وإمداده، ولامعين ولاناصرله في تدبير نظام الدنيا سواء كانت المعاملات انفرادية أواجتماعية، الثاني: اعتقادالرسالة والنبوة بأن الله قدبعث الأنبياء ونؤمن بهم جميعا وفي الأخيربعث محمد- صلى الله عليه وسلم – ونؤمن به أيضا من حيث أن الشريعة النافذة شريعته ونسخت الشرائع الأخرى، وهكذا اعتقاد القيامة و الجنة والنار والحساب من الاعتقادات التي لايكون الإنسان مؤمنا إلابها ولوكان موحدا كبيرا ومحبا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، ولكن لابد من أن يؤمن بالقيامة ولاقيمة للحب مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ولاأهمية للتوحيد بدونه. وأخيرا أدعوالله أن يوفقنا للسلوك على الصراط المستقيم.
وصلى الله على النبي العربي وآله وصحبه وسلم.

شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024